نواصل معكم اخوتي الكرام اكتشاف أسرار نجاح التعليم بفلندا،فبعد الحديث عن الأساتذة الخبراء،ثم الحديث عن أهمية التلميذ في المنظومة التعليمية بفلندا،ننتقل إلى سر آخر وهو نظام التقويم.
لأن التقويم في أي منظومة تعليمية يشكل الجزء الأهم والمهم..كيف يتم تنقيط التلاميذ ؟ وكيف يتم تقويمهم ؟
.1.فنلندا ونظام التقويم الدولي: PISA/program for international student assessment
خلفت نتائج التقويم الدولي سنة 2000 ارتياحا كبيرا في فنلندة ، لأن هذا البلد الذي كان قد دشن إصلاحات منذ 30 سنة لم تتح له الفرصة للتعرف على النتائج الايجابية التي حققها في إطار مقارنة دولية واسعة مثل تقويم PISA ، لقد حققت فنلندة المرتبة الأولى عالميا ضمن تصنيف 43 دولة مشاركة في" اختبارات القراءة".
كما صنفت في المرتبة الثالثة في الرياضيات وفي المرتبة الثالثة في العلوم ، وقد زاد هذا التحسن عندما شاركت في تقويمات سنة 2003 و نشرت الدولة تقريرا بعد ذلك كشفت فيه تحقيق تكافؤ الفرص بين الذكور والإناث، فاتضح للجميع أن الفوارق الاجتماعية هي الأقل تأثيرا مقارنة مع باقي الدول المتقدمة ، بحيث أن ربع تلاميذ الطبقة الاجتماعية الأقل نموا اقتصاديا حصلت على نتائج أفضل من متوسط دول منظمة تنمية التعاون OCDE.
وخلاصة القول كشفت الدراسات لتلك النتائج أن الفوارق الاجتماعية كما أشرت سابقا هي الأقل تأثيرا في التربية حيث تتيح هذه الأخيرة تصحيح تلك الفوارق بحكم تكافؤ الفرص الذي تحققه على ارض الواقع سواء على المستوى السوسيو- اقتصادي أو الجنسي.
من هذا المنطلق يحق لنا أن نتساءل، كيف استطاع هذا البلد أن يقدم أجوبة لإشكالات أرهقت المسؤولين لعقود في كثير من الدول التي لم تتمكن من معالجة مثل هذه القضايا.
• تقويم يقوم على أساس التحفيز
كيف يتم تنقيط التلاميذ ؟ وكيف يتم تقويمهم ؟
إلى حدود سن التاسعة لا يتم تنقيط التلاميذ إطلاقا ،وابتداء من تلك السن يتم تقويمهم دون وضع النقط إلى حدود السن الحادية عشر، ليتسنى اكتساب المعارف بدون الإجهاد المرتبط بالمراقبة ، هكذا يمكن لكل طفل أن يتقدم حسب إمكانياته الفردية بدون تراكم الضغط الذي يفرضه المعيار الجهوي مما قد يخلق عواطف وأحاسيس بالنقص قد تؤثر عليه في مساره الجامعي .
لقد اختارت فنلندا الثقة في الفضول والعطش في التعلم عند التلاميذ، في هذا السياق يتم إخبار الأسرة بالتقدم المستمر لأطفالهم .
عند بلوغ سن الثالثة عشرة ينقط التلاميذ من 4 إلى 10 خلافا لما هو عليه الأمر في فرنسا ، كما يمنع منح الصفر للتلميذ، وباختصار فان التقويم في النظام الفنلندي يقوم على أساس تثمين المكتسبات عند المتعلم بدل إبراز نقائصه وكما لخص ذلك احد المديرين فان المهم هو إبراز الإحساس لدى المتعلم انه جيد في مجال ما وبذلك يكون التقويم قد فقد طابع التنافس والإكراه بل حُول إلى عامل تحفيز في وضعية مرنة ومتكيفة مع خصوصيات كل متعلم مع إتاحة مكانة للتقويم الذاتي .
2- التقويم كرافعة للتغيير:
• منظومة في تطور مستمر
كيف وصل الفنلننديون إلى ما وصلوا إليه ؟
هل هذا الوضع نتيجة لتطور مستمر ام نتيجة إصلاح شامل؟
ما هو مؤكد أن الوضع لم يكن كما هو عليه اليوم . "منذ 30 سنة كان الوضع قاسيا ولم يكن التلاميذ في مستوى الانضباط أو التحفيز الحاليين ، لقد تغيرنا بالتدريج وعلى مراحل، واليوم يهمنا كثيرا أن يتعلم أبناؤنا المسؤولية "هكذا تصرح" السيدة سركي بي "أستاذة اللغة الانجليزية.
انه جدير بالاهتمام أن يلاحظ كيف تطور النظام التعليمي في فنلندا بنجاح وبتدرج حكيم بدون رجوع إلى الوراء بتتبع خط تطور منسجم وتشاور دائم بعيدا عن التغيرات السياسية التي قد تنتج من فترة إلى أخرى.
بدأت مرحلة الإصلاح الأولى منذ السبعينات، قبل ذلك كان الوضع يتميز بالانتقاء بعد نهاية السلك الابتدائي حيث وجود ثلاثة شعب :الشعبة التقليدية ،التكنلوجية و ما قبل المهنية وهذا الوضع شبيه بالوضع الفرنسي آن ذاك ولقد تزامن قرار توحيد الشعب بالنسبة للتعليم الأساسي الإجباري مع مشروع خلق الإعدادية الموحدة collège unique ، في تلك المرحلة قررت فنلندا إحداث لامركزية موسعة بمنح البلديات صلاحيات واسعة في مجال التربية مع ترك البرامج ضمن صلاحية الدولة . منذ سنة 1985 بدأ يتم حذف المجموعات ذات المستوى الواحد لصالح الاختلاط المطلق هكذا تم ضمان متابعة الدراسة بعد التعليم الأساسي للجميع، في هذه المرحلة سيتم تطوير اللامركزية بمنح البلديات صلاحيات جديدة لإعطاء توجهات جديدة لتكمل التوجهات المركزية (البرنامج الوطني)، بعد عشر سنوات سيزيد تعميق صلاحيات البلديات والمؤسسات التعليمية، هكذا ستبدأ البلديات في توزيع الميزانية على المؤسسات التعليمية كما أصبح الأساتذة مرتبطون بالبلديات فيما يتعلق بتوظيفهم وأداء رواتبهم ، وفي سنة 1998 سيتم تبني قانون جديد يضع مبادئ وقواعد التعليم الأساسي ولا زال هذا النص يطبق إلى يومنا هذا .
3-التقويم ضرورة ملزمة بالقانون:
يحتم القانون المذكور المؤسسات التعليمية على انجاز تقويمات منتظمة تهم السير العام ونتائج المؤسسة والتي يتعين نشرها للعموم كما تقوم البلديات بإجراء تقويمات خارجية ،وتخضع الثانويات لنفس الالتزامات كما عليها تبني نظام للتقويم الذي يعرض على السلطة المحلية ، هكذا يضع رهن إشارة التلاميذ استمارة عبر شبكة الانترنت التي يقوم التلاميذ بملئها بكل حرية ،إن هذه الممارسة تقوم على أساس أن التلاميذ والآباء هم المستهلكون للشأن التربوي وبالتالي لابد من مراعاة مواقفهم .
خلاصة :
هل يمكن تصدير النموذج الفنلنندي ؟
أمام نجاح هذا النموذج التربوي يحق لنا جميعا أن نتساءل عن إمكانية تصديره إلى بلدان أخرى ؟
انه من باب الإنصاف أن نعترف أن هذا النظام يعطي قيمة كبرى للفرد في بلد قليل السكان و شاسع الأطراف حيث تشتت الساكنة يلزم كل واحد أن يتعلم كيف يبني حياته والتكيف مع الظروف الصعبة.
اللغة الفنلندية هي بدورها في غاية التعقيد.
كما يتميز هذا النظام بحرصه الشديد على القيم الأخلاقية والدينية بجانب درجة عالية من التسامح ، كل هذا من اجل عدم اختناق الفرد بل لمساعدته على تطوير نفسه
حرص النظام على زرع أخلاقيات الحياة الاجتماعية كالنزاهة والجدية والثقة
إن نجاح التربية في فنلندا يعود بالأساس إلى جعل تنمية الفرد من المكونات الأساسية لجميع المشاريع.
يبدو لي انه من الأفيد أن نعيد النظر في نظام التقويم في بلادنا وأن نزيل عنه طابع الإجهاد والإكراه وانه لمن الخطأ أن نستمر في الاعتقاد أن الطفل يتعلم من اجل النقط فقط .
إدخال مزيد من الليونة في برامجنا واختيارات عديدة لتلامذتنا مع منح التلاميذ مزيدا من الحرية في بناء برامجهم الدراسية.
خلق مناخ أكثر حرارة يتميز بعلاقات الثقة والتعاون وهذا لن يفقد الأساتذة سلطتهم
تركيز النفقات على ما يعود على التلاميذ بالنفع بالدرجة الأولى.
إثبات منافع اللامركزية بالنسبة للبلديات والمؤسسات التعليمية.
بقلم :بول روبرت ترجمة / أ. عبد اللطيف امحمد خطابي بتصرف
لأن التقويم في أي منظومة تعليمية يشكل الجزء الأهم والمهم..كيف يتم تنقيط التلاميذ ؟ وكيف يتم تقويمهم ؟
.1.فنلندا ونظام التقويم الدولي: PISA/program for international student assessment
خلفت نتائج التقويم الدولي سنة 2000 ارتياحا كبيرا في فنلندة ، لأن هذا البلد الذي كان قد دشن إصلاحات منذ 30 سنة لم تتح له الفرصة للتعرف على النتائج الايجابية التي حققها في إطار مقارنة دولية واسعة مثل تقويم PISA ، لقد حققت فنلندة المرتبة الأولى عالميا ضمن تصنيف 43 دولة مشاركة في" اختبارات القراءة".
كما صنفت في المرتبة الثالثة في الرياضيات وفي المرتبة الثالثة في العلوم ، وقد زاد هذا التحسن عندما شاركت في تقويمات سنة 2003 و نشرت الدولة تقريرا بعد ذلك كشفت فيه تحقيق تكافؤ الفرص بين الذكور والإناث، فاتضح للجميع أن الفوارق الاجتماعية هي الأقل تأثيرا مقارنة مع باقي الدول المتقدمة ، بحيث أن ربع تلاميذ الطبقة الاجتماعية الأقل نموا اقتصاديا حصلت على نتائج أفضل من متوسط دول منظمة تنمية التعاون OCDE.
وخلاصة القول كشفت الدراسات لتلك النتائج أن الفوارق الاجتماعية كما أشرت سابقا هي الأقل تأثيرا في التربية حيث تتيح هذه الأخيرة تصحيح تلك الفوارق بحكم تكافؤ الفرص الذي تحققه على ارض الواقع سواء على المستوى السوسيو- اقتصادي أو الجنسي.
من هذا المنطلق يحق لنا أن نتساءل، كيف استطاع هذا البلد أن يقدم أجوبة لإشكالات أرهقت المسؤولين لعقود في كثير من الدول التي لم تتمكن من معالجة مثل هذه القضايا.
• تقويم يقوم على أساس التحفيز
كيف يتم تنقيط التلاميذ ؟ وكيف يتم تقويمهم ؟
إلى حدود سن التاسعة لا يتم تنقيط التلاميذ إطلاقا ،وابتداء من تلك السن يتم تقويمهم دون وضع النقط إلى حدود السن الحادية عشر، ليتسنى اكتساب المعارف بدون الإجهاد المرتبط بالمراقبة ، هكذا يمكن لكل طفل أن يتقدم حسب إمكانياته الفردية بدون تراكم الضغط الذي يفرضه المعيار الجهوي مما قد يخلق عواطف وأحاسيس بالنقص قد تؤثر عليه في مساره الجامعي .
لقد اختارت فنلندا الثقة في الفضول والعطش في التعلم عند التلاميذ، في هذا السياق يتم إخبار الأسرة بالتقدم المستمر لأطفالهم .
عند بلوغ سن الثالثة عشرة ينقط التلاميذ من 4 إلى 10 خلافا لما هو عليه الأمر في فرنسا ، كما يمنع منح الصفر للتلميذ، وباختصار فان التقويم في النظام الفنلندي يقوم على أساس تثمين المكتسبات عند المتعلم بدل إبراز نقائصه وكما لخص ذلك احد المديرين فان المهم هو إبراز الإحساس لدى المتعلم انه جيد في مجال ما وبذلك يكون التقويم قد فقد طابع التنافس والإكراه بل حُول إلى عامل تحفيز في وضعية مرنة ومتكيفة مع خصوصيات كل متعلم مع إتاحة مكانة للتقويم الذاتي .
2- التقويم كرافعة للتغيير:
• منظومة في تطور مستمر
كيف وصل الفنلننديون إلى ما وصلوا إليه ؟
هل هذا الوضع نتيجة لتطور مستمر ام نتيجة إصلاح شامل؟
ما هو مؤكد أن الوضع لم يكن كما هو عليه اليوم . "منذ 30 سنة كان الوضع قاسيا ولم يكن التلاميذ في مستوى الانضباط أو التحفيز الحاليين ، لقد تغيرنا بالتدريج وعلى مراحل، واليوم يهمنا كثيرا أن يتعلم أبناؤنا المسؤولية "هكذا تصرح" السيدة سركي بي "أستاذة اللغة الانجليزية.
انه جدير بالاهتمام أن يلاحظ كيف تطور النظام التعليمي في فنلندا بنجاح وبتدرج حكيم بدون رجوع إلى الوراء بتتبع خط تطور منسجم وتشاور دائم بعيدا عن التغيرات السياسية التي قد تنتج من فترة إلى أخرى.
بدأت مرحلة الإصلاح الأولى منذ السبعينات، قبل ذلك كان الوضع يتميز بالانتقاء بعد نهاية السلك الابتدائي حيث وجود ثلاثة شعب :الشعبة التقليدية ،التكنلوجية و ما قبل المهنية وهذا الوضع شبيه بالوضع الفرنسي آن ذاك ولقد تزامن قرار توحيد الشعب بالنسبة للتعليم الأساسي الإجباري مع مشروع خلق الإعدادية الموحدة collège unique ، في تلك المرحلة قررت فنلندا إحداث لامركزية موسعة بمنح البلديات صلاحيات واسعة في مجال التربية مع ترك البرامج ضمن صلاحية الدولة . منذ سنة 1985 بدأ يتم حذف المجموعات ذات المستوى الواحد لصالح الاختلاط المطلق هكذا تم ضمان متابعة الدراسة بعد التعليم الأساسي للجميع، في هذه المرحلة سيتم تطوير اللامركزية بمنح البلديات صلاحيات جديدة لإعطاء توجهات جديدة لتكمل التوجهات المركزية (البرنامج الوطني)، بعد عشر سنوات سيزيد تعميق صلاحيات البلديات والمؤسسات التعليمية، هكذا ستبدأ البلديات في توزيع الميزانية على المؤسسات التعليمية كما أصبح الأساتذة مرتبطون بالبلديات فيما يتعلق بتوظيفهم وأداء رواتبهم ، وفي سنة 1998 سيتم تبني قانون جديد يضع مبادئ وقواعد التعليم الأساسي ولا زال هذا النص يطبق إلى يومنا هذا .
3-التقويم ضرورة ملزمة بالقانون:
يحتم القانون المذكور المؤسسات التعليمية على انجاز تقويمات منتظمة تهم السير العام ونتائج المؤسسة والتي يتعين نشرها للعموم كما تقوم البلديات بإجراء تقويمات خارجية ،وتخضع الثانويات لنفس الالتزامات كما عليها تبني نظام للتقويم الذي يعرض على السلطة المحلية ، هكذا يضع رهن إشارة التلاميذ استمارة عبر شبكة الانترنت التي يقوم التلاميذ بملئها بكل حرية ،إن هذه الممارسة تقوم على أساس أن التلاميذ والآباء هم المستهلكون للشأن التربوي وبالتالي لابد من مراعاة مواقفهم .
خلاصة :
هل يمكن تصدير النموذج الفنلنندي ؟
أمام نجاح هذا النموذج التربوي يحق لنا جميعا أن نتساءل عن إمكانية تصديره إلى بلدان أخرى ؟
انه من باب الإنصاف أن نعترف أن هذا النظام يعطي قيمة كبرى للفرد في بلد قليل السكان و شاسع الأطراف حيث تشتت الساكنة يلزم كل واحد أن يتعلم كيف يبني حياته والتكيف مع الظروف الصعبة.
اللغة الفنلندية هي بدورها في غاية التعقيد.
كما يتميز هذا النظام بحرصه الشديد على القيم الأخلاقية والدينية بجانب درجة عالية من التسامح ، كل هذا من اجل عدم اختناق الفرد بل لمساعدته على تطوير نفسه
حرص النظام على زرع أخلاقيات الحياة الاجتماعية كالنزاهة والجدية والثقة
إن نجاح التربية في فنلندا يعود بالأساس إلى جعل تنمية الفرد من المكونات الأساسية لجميع المشاريع.
يبدو لي انه من الأفيد أن نعيد النظر في نظام التقويم في بلادنا وأن نزيل عنه طابع الإجهاد والإكراه وانه لمن الخطأ أن نستمر في الاعتقاد أن الطفل يتعلم من اجل النقط فقط .
إدخال مزيد من الليونة في برامجنا واختيارات عديدة لتلامذتنا مع منح التلاميذ مزيدا من الحرية في بناء برامجهم الدراسية.
خلق مناخ أكثر حرارة يتميز بعلاقات الثقة والتعاون وهذا لن يفقد الأساتذة سلطتهم
تركيز النفقات على ما يعود على التلاميذ بالنفع بالدرجة الأولى.
إثبات منافع اللامركزية بالنسبة للبلديات والمؤسسات التعليمية.
بقلم :بول روبرت ترجمة / أ. عبد اللطيف امحمد خطابي بتصرف